هل ينجح حل الدولتين؟ وما هي مخاطره الكبرى على القضية الفلسطينية؟
الصحفي الفلسطيني: خليل أبو سمهدانة
أولًا: مفهوم «حل الدولتين»:
«حل الدولتين» هو مصطلح سياسي يقصد به: إقامة دولتين مستقلتين جنبًا إلى جنب:
دولة فلسطينية على جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة.
دولة يهودية (إسرائيل) على باقي أرض فلسطين المحتلة سنة 1948.
ظهر هذا الحل بشكل رسمي في:
مشروع التقسيم الأممي سنة (1947م – القرار 181).
اتفاقيات أوسلو (1993م).
مبادرات عربية وغربية لاحقة (مثل مبادرة السلام العربية 2002م).
الهدف المعلن: إنهاء الصراع الفلسطيني اليهودي عبر التنازل المتبادل وإقامة دولتين مستقلتين تعيشان بسلام.
ثانيًا: هل ينجح «حل الدولتين»؟
من الناحية الواقعية:
مضى أكثر من 30 عامًا على طرح «حل الدولتين»، ولم يتحقق شيء فعليًا.
إسرائيل زادت من الاستيطان بشكل غير مسبوق.
القدس اُبتلعت تقريبًا بالكامل داخل السيطرة الإسرائيلية.
الضفة الغربية مقطعة الأوصال بجدار الفصل العنصري والمستوطنات.
قطاع غزة محاصر ومعزول.
خلاصة الواقع: «حل الدولتين» عمليًا مات قبل أن يولد؛ لأن إسرائيل لا تقبل بدولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة: «لن تقوم دولة فلسطينية مستقلة أبدًا ما دمت في الحكم». (تصريح سنة 2015).
من الناحية العقائدية:
فلسطين أرض وقف إسلامي، لا يملك أحد التنازل عن شبر منها.
التنازل عن أرض فلسطين مقابل دولة منقوصة السيادة بيع للدين والعقيدة قبل أن يكون خيانة سياسية.
قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
لا يجوز شرعًا إعطاء اليهود «شرعية» للبقاء على أرض فلسطين باسم «دولتهم».
ثالثًا: المخاطر الكبرى لـ «حل الدولتين»:
1- شرعنة وجود إسرائيل.
بموجب حل الدولتين: تعترف الدولة الفلسطينية رسميًا بـ «دولة إسرائيل» ككيان شرعي دائم.
يصبح الاحتلال الذي بدأ سنة 1948م أمرًا مقبولًا دوليًا وعربيًا.
وهذا أخطر ما في الموضوع: تحويل الاحتلال من جريمة إلى حقيقة سياسية دائمة!
2- تضييع حق العودة للاجئين.
أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني شُرِّدوا عام 1948م.
حل الدولتين يعني عمليًا:
إسقاط حق العودة.
تثبيت واقع التهجير القسري إلى الأبد.
رغم أن الأمم المتحدة (القرار 194) أكدت حق اللاجئين في العودة، إلا أن «حل الدولتين» يتجاهل ذلك عمليًا.
3- التنازل عن القدس.
القدس كاملة تحت السيطرة الإسرائيلية اليوم.
وفي أي اتفاق مستقبلي، ستكون:
القدس الغربية لإسرائيل رسميًا.
بعض أحياء القدس الشرقية ربما لدولة فلسطين، ولكنها ستكون مدينة مقسمة.
4- إقامة دولة فلسطينية صورية.
الدولة الفلسطينية المفترضة ستكون:
دون جيش حقيقي.
دون سيطرة على المعابر والحدود.
بدون قوة اقتصادية مستقلة.
مجرد «حكم ذاتي موسع» تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
بمعنى آخر: دولة بلا سيادة ولا حماية حقيقية، ومصيرها مرتهن بيد العدو.
5- تفتيت القضية الفلسطينية.
بمجرد قبول «حل الدولتين»:
تصبح الضفة وغزة «فلسطين»، ويُنسى الفلسطينيون داخل الخط الأخضر (عرب 48)، وينسى اللاجئون في الشتات، وتُختزل القضية في «بضعة كيلومترات مربعة» بدلًا من كونها قضية أمة كاملة.
وهذا هدف استراتيجي صهيوني خطير:
تفكيك هوية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى نزاع حدودي صغير.
رابعًا: أسباب الدفع العالمي نحو حل الدولتين:
لماذا تصر القوى الكبرى (أمريكا، أوروبا) على حل الدولتين؟
حماية أمن إسرائيل كدولة يهودية نقية.
احتواء الغضب العربي والإسلامي.
إنهاء الصراع بدون تحقيق الحقوق الحقيقية للفلسطينيين.
تفريغ القضية من بعدها الإسلامي والعالمي، وحصرها في نزاع محلي.
خامسًا: الموقف الشرعي الصحيح:
فلسطين كلها (من النهر إلى البحر) أرض إسلامية لا يجوز التفريط بشبر منها.
التفاوض على حل الدولتين لا يغير من الحكم الشرعي.
لا يجوز الاعتراف بإسرائيل كدولة مشروعة.
النصر لا يأتي بالاستسلام للواقع، بل بتجديد الإيمان، وتصحيح العقيدة، وإعداد القوة، والصبر على طريق التحرير.
قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14].
خلاصة شاملة:
حل الدولتين فاشل واقعيًا، محرم شرعيًا، وخطير استراتيجيًا.
لا مستقبل لفلسطين إلا بتحريرها كاملة من البحر إلى النهر.
التفريط بجزء من فلسطين هو تفريط بكل فلسطين.
يجب على الأمة الإسلامية أن تبقى متمسكة بثوابتها تجاه فلسطين:
تحرير لا مساومة، عقيدة لا مسايرة، نصر لا هزيمة.