السلام أم الاستسلام بين وهم المفاوضات وحقيقة المشروع اليهودي
الأستاذ قدر راكان المجالي
يردد بعض الساسة والإعلاميين شعارًا ظنوه طريق النجاة: «السلام هو الحل الوحيد».
غير أن قراءة هادئة للدين والتاريخ والواقع تكشف أن هذا «السلام» لم يكن يومًا غاية اليهود، ولا وسيلة لتحقيق العدل، بل ستارًا لتحقيق مشروع توسعي لا يقبل إلا بالهيمنة. فاليهود – كما وصفهم القرآن – قوم إذا كان لهم نصيب من الملك لا يعطون أحدًا من الحق أدنى شيء، لأن طبيعتهم الجشع والاحتكار والأنانية، كما قال تعالى: ﴿أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا﴾ [النساء: 53].
هذه الآية ليست مجرد حكاية تاريخية، بل وصف دقيق لذهنية استعمارية تتجدد في كل عصر، وتنعكس اليوم في السلوك الصهيوني تجاه فلسطين والعرب والعالم.
– السلام عند اليهود: قناع للاستسلام:
منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، لم يكن حديثه عن السلام إلا وسيلة لتكريس الأمر الواقع وتوسيع النفوذ. اتفاقيات الهدنة والصلح المتكررة كانت تمنحهم الوقت الكافي لبناء المستوطنات، وفرض السيطرة على الأرض والقدس، بينما يطلب من الفلسطينيين التنازل عن حق العودة، وعن سيادتهم، وعن كرامتهم.
فالسلام في قاموسهم لا يعني التعايش، بل الخضوع الكامل لشروطهم. إنهم لا يريدون شريكًا في الأرض، بل تابعًا، ولا يمدون يدًا للسلام إلا حين تكون اليد الأخرى قابضة على الزناد.
– التجارب شاهد لا يكذب:
كل اتفاق وقع باسم السلام كان خطوة نحو إضعاف الموقف الفلسطيني. اتفاق أوسلو مثلاً قدم وعودًا بالحرية والدولة، لكنه انتهى إلى سلطة محدودة الصلاحيات تحت الاحتلال. ازداد الاستيطان، وتهودت القدس، وحوصرت غزة، وتبدد الوهم. أما المطبعون؛ فقد اكتشفوا أن «السلام» المزعوم لم يوقف عدوانًا، ولم يحم سيادة، بل زاد الكيان جرأة في الاستيطان والتغول.
– سلام بلا عدل هو استسلام:
السلام العادل لا يتحقق إلا إذا أعيدت الحقوق إلى أصحابها، وانتهى الاحتلال، وعاد اللاجئون، وتحررت القدس. أما السلام الذي يفرغ من هذه القضايا الجوهرية فليس سلامًا، بل استسلامًا مغلفًا بعبارات دبلوماسية.
العقلاء يعلمون أن السلام الذي يفرض على طرف مظلوم لا يصنع استقرارًا، بل يؤسس لجولات جديدة من الصراع، لأن العدالة المؤجلة هي انفجار مؤجل.
– بين الثابت القرآني والواقع السياسي:
لقد أخبرنا القرآن عن طبيعة اليهود وأنهم لا يعطون الناس نقيرًا، وعن عداوتهم العميقة لأهل الإيمان، فقال سبحانه: ﴿لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾ [المائدة: 82].
ومن يتأمل هذا الوصف يدرك أن انتظار سلام حقيقي من عدو كهذا ضرب من الوهم.
السلام الذي نريده ليس خنوعًا أمام المغتصب، بل سلام الكرامة بعد التحرير، لا سلام الذل تحت الاحتلال.
أما شعار «السلام هو الحل الوحيد» فلابد أن يستبدل بشعار أوضح وأصدق:
«لا سلام بلا عدل، ولا عدل مع احتلال».
