شبهة (1) المسلمون هم الذين بنوا المسجد الأقصى مكان الهيكل!

الشبهة الأولى
من كتاب حرب الشبهات على المسجد الأقصى (ص11-18)
المسلمون هم الذين بنوا المسجد الأقصى مكان الهيكل!

 زعم المستشرقون: أن بني أمية بنوا مسجدًا فوق الهيكل، وأسموه: المسجد الأقصى، وجعلوا له دورًا بارزًا في حياة الرسول محمد ﷺ بأثر رجعي.

وهذه دعوى باطلة من وجوه:

1- بيت المقدس له قداسة متوارثة عند جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ حيث تتابع إعمار وبناء وإصلاح هذه البقعة المقدسة على يد من أذن الله تعالى له بذلك:

أ- قداسة بيت المقدس وبركة بلاد الشام قبل إبراهيم عليه السلام؛ حيث اصطفاه الله تعالى؛ ليكون مسجدًا للموحدين حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ قال تعالى: ﴿ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين﴾ [الأنبياء: 71].

فالبركة كانت قبل إبراهيم عليه السلام.

ب- واستمرت البركة؛ حيث أسرى الله تعالى بعبده ورسوله محمدًا ﷺ إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس؛ قال تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه﴾ [الإسراء: 1].

ت- فبيت المقدس مبارك وأرضه مقدسة من قبل دخول بني إسرائيل إليها؛ قال تعالى: ﴿على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (٢١) قالوا ياموسى إن فيها قومًا جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون (٢٢)﴾ [المائدة: 21و22].

وهذا دليل واضح أن بيت المقدس وما حوله مبارك قبل أن يحل به قوم موسى عليه السلام، وقبل جميع أنبياء بني إسرائيل الذين يدعي اليهود وراثتهم؛ ومنهم: سليمان عليه السلام الذي يزعم اليهود أنه بنى الهيكل!!

2- الذي بناه سليمان عليه السلام تجديدًا هو المسجد الأقصى، وليس الهيكل:

أ- كل النصوص الإسلامية الموثقة من آيات قرآنية صريحة، وأحاديث نبوية صحيحة مسندة: تنص على أن بيت المقدس مسجد على توالي أنبياء بني إسرائيل:

– بذلك وصف في إسراء الرسول ﷺ؛ قال الله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه﴾ [الإسراء: 1].

– ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك:

* عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام». قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة؛ فصل، والأرض لك مسجد»(1).

* عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن النبي ﷺ؛ قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﷺ، ومسجد الأقصى»(2).

* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ؛ قال: «إن سليمان بن داود ﷺ لما بنى بيت المقدس؛ سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثة: سأل الله عز وجل: حكمًا يصادف حكمه؛ فأوتيه، وسأل الله عز وجل: ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده؛ فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد: أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه: أن يخرجه من خطيئته؛ كيوم ولدته أمه»(3).

ب- تسمية الهيكل لا وجود لها؛ إلا في كتب اليهود؛ وهي: كتب لا يوثق بها؛ فقد اعترف كثير من علماء اليهود والنصارى ومؤرخيهم: أنها كتب محرفة، وكذلك الأسفار التي تتحدث عن الهيكل متناقضة مضطربة.

ت- البناء الذي ثبت أن سليمان عليه السلام جدد بناءه؛ ليكون مكانًا للعبادة؛ هو: المسجد الأقصى؛ كما أقر بذلك المؤرخ ابن العبري (ت 1286شمسية)؛ فقال: «وفي السنة الرابعة من ملكه شرع سليمان في بناء بيت المقدس؛ وهو: المعروف بالمسجد الأقصى».

وهذا هو الموافق لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما المتقدم (ص13).

فسليمان عليه السلام ما أنشأ المسجد الأقصى بل جدد بناءه، وهذا ما اتفق عليه أهل العلم:

– قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (4/138): «إن ‌إبراهيم ‌وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما».

– وذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/184): «أنه في عهد يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام أعيد بناء المسجد بعد أن هدم بناء إبراهيم عليه السلام».

– وقال شهاب الدين المقدسي في «مثير الغرام» (ص134): «فكان هذا البناء تجديدًا».

3- اليهود متناقضون في موضوع الهيكل تناقضًا بينًا؛ يدل على أنه حديث خرافة لا وجود له؛ إلا في خيالهم المريض:

أ- لم يستطع أحد من باحثيهم تحديد مكان الهيكل بصورة لا تقبل الشك والجدل:

– فمنهم من قال: أنه تحت المسجد الأقصى، وأن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل!

– وبعضهم قال: إن الهيكل يقع فوق الصخرة!

– وآخرون يرون: أنه يقع بين المسجد وبين مصلى قبة الصخرة في داخل المسجد الأقصى!!

ب- طوائف اليهود مختلفة في المدينة التي أقيم فيها الهيكل:

– اليهود السامريون يزعمون: أن الهيكل موجود على جبل جرزيم قرب نابلس.

– وآخرون يقولون: أنه في بيت إيل شمال القدس، وجنوب رام الله في لوزة أبي لوز(4).

ت- أثبت علماء الآثار من اليهود والأمريكان والأوربيين، الذين اشتغلوا بالحفريات والأنقاض تحت المسجد الأقصى: أنه لا وجود للهيكل لا تحت المسجد الأقصى، ولا تحت قبة الصخرة!

4- وحاول اليهود: أن يرموا بآخر سهم في كنانتهم الخاوية على عروشها، الخاوية من أدلة الحق؛ فقالوا: أن (حائط البراق) الذي يسمونه: (حائط المبكى)؛ هو: الجزء الباقي من الهيكل، وهذه دعوى عريضة؛ توهمتها عقولهم المريضة:

أ- حائط البراق؛ هو: الحائط الذي يقع في الجزء الجنوبي من جدار المسجد الأقصى؛ حيث يبلغ طوله خمسون مترًا، وارتفاعه عشرون مترًا، واليهود يمارسون طقوسهم عنده، وصلاتهم عنده: مكاء وتصدية!

ب- لم يكن لليهود أدنى ارتباط بحائط البراق حتى عام (1519شمسية)؛ حيث ورد في «الموسوعة اليهودية» الصادرة في القدس عام (1971شمسية): «أن الحائط الغربي أصبح جزءًا من التقاليد الدينية عام (1520شمسية) نتيجة الهجرة اليهودية من إسبانيا، وبعد الفتح العثماني عام(1517شمسية)» (5).

ت- بعد أحداث البراق عام (1929شمسية) شكلت حكومة الانتداب الإنجليزي لجنة تحقيق، تقدمت بتوصية للأمم المتحدة؛ لتأليف لجنة للتحقيق في أحداث البراق؛ فوافقت، ووصلت اللجنة إلى القدس في (19/يونيو/ 1930شمسية)، وأقامت شهرًا، وعقدت خلال إقامتها (23) جلسة؛ أبرز المسلمون خلالها (26) وثيقة، وأبرز اليهود (35) وثيقة.

وانتهت اللجنة من تقريرها (ديسمبر1930شمسية)، ووافقت حكومة الاحتلال الانجليزي وعصبة الأمم المتحدة على نتائجها؛ فأصبحت وثيقة دولية ودليلًا قانونيًا يرمى به في وجه اليهود.

وتتلخص نتائجها: في أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي؛ فحائط البراق جزء رئيس من المسجد الأقصى، التي هي في أملاك الوقف، وهذا ما أقرت به عصبة الأمم المتحدة عام (1929شمسية)، ونصت: «على أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، وملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة؛ لأنه وقف».

وهذا ما جاء في المرسوم الصادر عن البلاط الملكي في قصر بنكجهام في (19 /ديسمبر/1931شمسية) بتكليف من مجلس جمعية عصبة الأمم المتحدة (1931شمسية) وسميت اللجنة المشكلة: «لجنة شو»(6).

ث- اليهود أمام لجنة شو لم يدعوا ملكيتهم للحائط؛ لكنهم طالبوا بتمكينهم من الدعاء أمامه، وإقامة طقوسهم الدينية بأدواتهم ولباسهم!

ج- جميع الحفريات التي تحت حائط البراق أثبتت أنها آثار إسلامية، وليس هناك للوجود اليهودي أثر ولا عين.

ح- في القرن الثالث عشر عام (1267شمسية) قام الكاتب اليهودي نجمانيوس بوصف موقع الهيكل وصفًا تفصيليا، ومع ذلك لم يذكر الحائط الغربي لا تصريحًا، ولا تلميحًا، بل لم يأت لحائط البراق ذكر في المصادر اليهودية التي تتضمن وصفًا للقدس حتى القرن الخامس عشر(7).

خ- صرح الحاخام اليهودي يهورام مزور -أمين سر مجلس اليهودية التقدمية- أنه لا توجد قدسية لحائط المبكى في الديانة اليهودية، وأنه يرفض إقامة حفلات البلوغ أو أي شعائر دينية هناك.

 وأضاف قائلًا: «إما نلتقي طوال ساعات اليوم أشخاص في هذا المكان يؤدون الصلاة في موقع هم الذين قدسوه؛ إن ذلك يشبه عبادة الأوثان»(8).

___________________________

([1]) أخرجه البخاري (3366)، ومسلم (520).

(2) أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397).

(3) أخرجه النسائي في «المجتبى» (1/692)، وابن ماجه (1408)، وصححه جمع من أهل العلم.

ويوجد في الباب أحاديث أخر كثيرة؛ انظر حديث (22-29) من كتابي: «الأحاديث النبوية الصحيحة في قضية فلسطين وبيت المقدس».

(4) انظر: «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية» للمسيري (4/ 159-169).

(5) انظر: «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية» للميسري (4/ 168).

(6) انظر: «الموسوعة الفلسطينية» (2/ 136)، و«تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم المتحدة» (1931م).

(7) «موسوعة اليهود واليهودية» (4/169).

(8) «مجلة بلتم اليهودية» (العدد الأول – 1999م)، وانظر «القدس مدينة واحدة لعقائد ثلاث» للكاتبة الأمريكية كارين آرمستونج.

موضوعات ذات صلة