هوية فلسطين بين الوحي والتاريخ

بقلم أبو عطية الكيني

ليست فلسطين مجرد رقعة جغرافية أو نزاع حدودي؛ بل هي قضية هوية، تنبض بين سطور الوحي وتسطع في صفحات التاريخ، وتختزل فيها معالم العقيدة، وحقائق الصراع، وميراث النبوات، وأمانة الأمة. إن الحديث عن هوية فلسطين ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة شرعية وثقافية أمام موجات التزوير التي تريد سلخها عن حقيقتها الإسلامية السنية، وردها إلى أوهام قومية أو طائفية أو صهيونية دخيلة.

أولًا: الهوية في ضوء الوحي:

في القرآن الكريم، تتجلى قدسية فلسطين في مواضع متعددة، منها قوله تعالى عن بني إسرائيل: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} [المائدة: 21].

وقد أجمع المفسرون على أن الأرض المقدسة هي بيت المقدس وما حوله. كما أن المسجد الأقصى هو أحد الثلاثة المساجد التي تشد إليها الرحال، كما في الصحيحين: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».

وقد بارك الله أرض فلسطين وخصها بمسرى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1].

فهذه النصوص ليست مجرد إشارات، بل هي مرتكزات عقدية تؤكد أن هوية فلسطين إسلامية ربانية، سبقت الاحتلالات، وستبقى بعد زوالها بإذن الله، لأن من منحها القدسية ليس البشر بل رب البشر.

ثانيًا: التاريخ شاهد عدل:

حين دخلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتحها بالصلح، وأعطاها الأمان، وصلى في ظاهر الأقصى تواضعًا، ثم أبقى أهلها على دينهم وأمانهم، فكان الفتح العمري بداية عصر جديد، عاد فيه التوحيد إلى مسرى الإسراء، وانتزعت القدسية من أيدي الرهبان إلى راية الإسلام.

ومنذ ذلك الحين، ظلت فلسطين سنية الوجه والروح، خرجت العلماء والمجاهدين من أهل السنة، واحتضنت صلاح الدين الأيوبي الذي حررها باسم لا إله إلا الله، لا باسم القومية أو التشيع أو الزحف الفارسي.

ثالثًا: تزوير الهوية:

في العصر الحديث، تعرضت هوية فلسطين لمحاولات مسخ وتزوير خطيرة:

– الصهاينة سعوا لتحويلها إلى «أرض ميعاد» يهودية.

– القوميون العرب اختزلوها في شعار «القومية العربية» على حساب الإسلام.

– والصفويون زعموا أن القدس قضية شيعية رغم أنها لم تعرف التشيع يومًا في تاريخها!

كل هذا يؤكد أن معركة فلسطين هي معركة هوية قبل أن تكون معركة حدود.

ختامًا:

فلسطين بين الوحي والتاريخ… أرض نطق بفضلها القرآن، وسجد في ساحاتها الأنبياء، وسطر في ترابها الخلفاء والموحدون ملاحم النصر. لا يجوز أن نقرأها بعين السياسي أو الصحفي فقط، بل بعين المسلم الذي يرى في فلسطين أمانة عقيدة، لا ورقة مساومة.

ومن ينزع هوية فلسطين الإسلامية السنية، كمن ينزع الروح من الجسد. ولن تتحرر فلسطين إلا إذا عدنا إلى الوحي، واستنطقنا التاريخ الصحيح، وسرنا خلف راية محمد صلى الله عليه وسلم… لا خلف رايات المزورين والمبدلين.

موضوعات ذات صلة