من الإسراء إلى التحرير: التسلسل النبوي لمصير فلسطين
الشيخ زايد الأهدل
كانت رحلة الإسراء والمعراج نقطة محورية في التاريخ النبوي، ربطت بيت المقدس بمآثر النبوة الخالدة. من تلك اللحظة أصبحت فلسطين ليست مجرد أرض جغرافية، بل محور تكليفي في خطة النبوة، ومن ثم في نصوص الأخبار عن أمور آخر الزمان. فما هو التسلسل النبوي الذي يربط الإسراء بالتحرير؟ وكيف يتقاطع النص النبوي مع وقائع التاريخ والقلوب المؤمنة؟
أوله: قداسة المكان وخصوصية الزمن:
في الإسراء صلى الله عليه وسلم رفع مكانة بيت المقدس إلى مقام القبلة السابقة ومسرى الأنبياء، فصارت الأرض المقدسة شاهدة على حلقات من الوحي والرسالة.
هذه القداسة ليست مجرد شعور بل تصدرت الذاكرة الشرعية لأمة رزقت وعد الله ونبوءاته المتعلقة بالملاحم والفتن، فجاءت الأحاديث لتتحدث عن بيت المقدس كمركز للصراع والتمكين والقطع الحاسم في تاريخ الأمة.
ثانيًا: طائفة ماضية تقاتل على الحق:
ترد في النصوص النبوية بشائر عن طائفة من أمته تقاتل على الحق وتظهر على مر الأزمنة، وتوضع مواقعهم في محيط بيت المقدس. هذه الطائفة ليست رمزية فحسب، بل هي دلالة على استمرارية الجهاد والتمسك بالحق حتى قيام الساعة. لذلك، لا يكون مصير فلسطين رهين انتظار معجزة منفصلة عن عمل الناس، بل هو امتداد لسنة النصح والصمود والقتال على الحق.
ثالثًا: الملاحم والفتن ثم التدافع:
تشير الأحاديث إلى ملاحم كبرى وفتن تجري أحداثها في المشرق، وتظهر فيها قوائم من الفساد والضلال، ثم يليه نهوض للحق بتدافع الشعوب وصحوة القلوب. في هذا الإطار، يصبح التحرير نتيجة تراكم عوامل: ثبات أهل الحق، انكشاف ظلم الظالمين، وتقلب موازين القوى بتدخلات إلهية وسنن كونية تفضي إلى زوال الباطل.
رابعًا: دور النص النبوي في تحفيز العمل:
من التفسيرات الصحيحة لما ورد في الأحاديث أن الأخبار لم تؤت ليجعل الناس منتظرين سلبيين، بل لتحريكهم، ولتنبيههم إلى أن التاريخ يسير وفق سنن إلهية تفعل بالأسباب البشرية الصالحة. فالترابط بين الإسراء (رمز الارتباط النبوي بفلسطين) والأخبار النبوية عن التحرير يجب أن يولد مسؤولية: بناء الجهاد الفكري، التربية الشرعية، التضحيات الواقعية.
خاتمة بشارة وتأكيد على العمل:
يختتم التسلسل النبوي ببشارة لطالبي الحق: أن فلسطين ستبقى محورًا للرحمة والنصر إن اقتفت الأمة أثر السنن وتمسكت بالحق. الإسراء يذكرنا بالمركز الروحي؛ الأحاديث تضع خارطة زمنية وأخلاقية؛ والسلوك البشري هو عصب تفعيل الوعد. لذلك، التحرير ليس حدثًا منعزلًا بل تتويج لمسيرة إيمانية معاشة، تجمع بين وعد إلهي وسنة تتجلى بعمل المؤمنين.
في نهاية الأمر، من الإسراء إلى التحرير يظل الرابط مشحونًا بالأمل والتحذير معًا: أمل لمن عمل وصدق، وتحذير لمن انتظر بلا كف ولا سعي. فلسطين في النص النبوي ليست مجرد وعد مستقبلي، بل دعوة للحياة الحقة التي تعد الأرض والإنسان معًا لاستقبال النصر بعزيمة راسخة وقلب موحد.
