قراءة في التوراة المحرفة… كيف استخدمت النصوص الدينية لتسويغ الاحتلال

الدكتور عبد الفتاح الأبراشي

في قلب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يبرز البعد الديني كنقطة محورية في قراءة التاريخ وفهم مبررات الاحتلال. التوراة النص المقدس لليهود، ليست مجرد كتاب ديني، بل صارت في العصر الحديث أداة سياسية تستغل أحيانًا لتبرير السيطرة على الأرض الفلسطينية. ومع ذلك، يكشف التحليل التاريخي والنقدي للنصوص أن هذه التفسيرات الانتقائية ليست سوى جزء من توظيف سياسي، بعيدًا عن البعد الأخلاقي والروحي الحقيقي للنصوص.

الفكرة الجوهرية التي ركزت عليها الحركات الصهيونية الدينية هي «الأرض الموعودة»، وهي الأرض التي وعد بها اليهود بحسب النصوص. لكن دراسة النصوص الأصلية مقارنة بالتفسيرات الحديثة تكشف أن هذه الدعوى ليست شاملة، وأن كثيرًا من النصوص تم تأويلها حرفيًا، رغم أنها غالبًا كانت رمزية أو معنوية. هذا التأويل الانتقائي استخدم لتقديم السيطرة على الأرض كحق ديني، بينما الواقع السياسي والإنساني للفلسطينيين لم يأخذ في الاعتبار.

على مدار القرن العشرين برزت حركة الصهيونية الدينية التي جعلت من النصوص المقدسة ذريعة لتسويق فكرة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين واجبًا دينيًا. من هنا بدأ استخدام نصوص مثل «العودة إلى صهيون» و«وراثة الأرض» لتبرير الاستيطان وطرد السكان الأصليين. ولم يقتصر التأثير على الداخل اليهودي فحسب، بل امتد إلى المجتمعات العالمية، حيث تم تصوير الاحتلال على أنه تحقيق لإرادة إلهية، ما ساهم في تشكيل رأي عام مؤيد سياسياً للدولة الصهيونية.

لكن الحقيقة التاريخية والنقدية تقول شيئًا آخر: ليس كل نص ديني يصلح لتبرير احتلال أو ظلم. وقد أشار العديد من علماء التوراة أنفسهم إلى أن التوظيف السياسي للنصوص ليس إلا اختزالًا لمعانيها الأخلاقية والروحية، وهو ما يجب أن يدركه القارئ والفقيه والسياسي على حد سواء. فالقراءة الموضوعية تظهر أن استخدام الدين لتبرير الاحتلال ليس موقفًا شرعيًا بقدر ما هو أداة سياسية لتغطية أهداف قومية واقتصادية.

وهنا تكمن أهمية التوعية والوعي: يجب على الشعوب قراءة النصوص الدينية بعين نقدية، وفهم الفرق بين البعد الروحي والأخلاقي وبين التوظيف السياسي للنصوص. التفسير الأخلاقي والإنساني للنصوص السماوية هو الطريق الذي يحمي القيم، ويعيد التركيز على العدالة والتعايش، بدل أن يصبح الدين أداة للسيطرة والطغيان.

في النهاية، القراءة النقدية للتوراة وأي كتاب سماوي آخر لا تهدف إلى الهجوم على الأديان، بل إلى كشف طرق استغلال النصوص في السياسة وتحفيز العقل على التمييز بين الحقائق الروحية والسياسات الانتقائية. إن فهم هذا التوظيف السياسي للنصوص يساعد المجتمعات على حماية نفسها من التبريرات المزيفة للظلم، والحفاظ على حقوق الإنسان، والتمسك بالقيم الأخلاقية العالمية التي تنص عليها الشرائع السماوية.

موضوعات ذات صلة