فلسطين.. لا تنصرها الشعارات بل ينصرها التوحيد!!
الاستاذ أبو صالح المصري
من أين يبدأ النصر؟
هل نبدأ من إعداد العدة أم من رفع الرايات القومية والشعارات الحزبية أم من المظاهرات أم يبدأ بموالاة الأعداء أم يبدأ بتصحيح العقيدة؟!
من أهم أسباب النصر والتمكين أن تجتمع الأمة الإسلامية بعد أن تفرقت باسم المذهبية والحزبية والقومية. ولا يمكن أن تقوم وحدة للمسلمين ما لم تجمعهم عقيدة واحدة. فالعقيدة هي الأساس لبناء الفرد والمجتمع الإسلامي، وهي القاعدة التي تقوم عليها الأعمال والعلاقات والأخلاق. فإذا كانت العقيدة مشوهة أو فاسدة فإن الأمة لا تستقيم، ولا تستطيع أن تواجه الفتن والأعداء.
وإن العقيدة التي تصلح لجمع هذا الشتات الذي نراه في الأمة – يا أسفاه – هي عقيدة التوحيد الصافي الخالص التي منبعها كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وفهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين استقاموا على عقيدة الإسلام الحق ودونوا هذه العقيدة تدويناً يميزها عن عقائد أهل الفرق والضلال.
إن سلامة الاعتقاد وصحته هي الطريق الوحيد لإقامة المجتمع المسلم المترابط المتآلف، ولا سبيل لاجتماع الأمة الإسلامية ووحدة صفها وعزها وسعادتها في الدنيا والآخرة إلا بالعودة الصحيحة إلى الإسلام الصافي النقي الخالص من شوائب الشرك والبدع والأهواء.
وهذا يتطلب من كل مسلم أن ينبذ المذاهب والمناهج الحادثة المخالفة لما كان عليه سلف الأمة، وأن تكون له عناية فائقة بمذهب السلف الصالح وعقيدتهم ومنهجهم.
التوحيد أولاً لأنها أساس الدين! والأساس إن كان صحيحًا قويًا فالبناء يكون قويًا ثابتًا إلى يوم القيامة، وإن كان ضعيفاً هشًا فسرعان ما يزول. فلو قال قائل: أنا أستطيع أن أبني الطابق الثاني قبل الأول، فهل يعقل هذا؟ هذا خيال من خيالات أهل الشعارات، واستعجال من أهل العجلة! وكفانا خيالاً واستعجالاً، فقد ضاعت الأمة بسبب العواطف الهادمة والشعارات الفارغة التي لا تتقيد بالكتاب والسنة على منهج سلف الأمة.
التوحيد أولاً لأنها منهج الأنبياء والرسل أجمعين! فقد بدأ رسولنا الكريم ﷺ وجميع الرسل والأنبياء – بالدعوة إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده، بل كان ذلك غاية إرسالهم وجوهر رسالتهم.
لذلك ما من أمة إلا خلا فيها نذير، يبني ويقعد التوحيد، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:36]. فهذا نبي الله نوح: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:59].
وهذا نبي الله هود: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود:50]. وهذا نبي الله صالح: {إلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود:61].
ورسولنا محمد ﷺ مكث ثلاثة عشر عاماً في مكة يؤسس التوحيد ويقول: «يا قوم قولوا: لا إله إلا الله»، حتى قالوا له: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب} [ص:5]. فهل نحن أفضل من الأنبياء الذين بدأوا بتصحيح العقيدة التي هي الأساس؟
أهل الشعارات أين هم من أنبياء الله تعالى؟!
التوحيد أولاً لأنها تدفع العبد إلى فعل الطاعات والأعمال الصالحات إن الأعمال والأقوال لن تكون صالحة ولن تقبل عند الله تعالى إلا بالعقيدة الصحيحة الخالية من الشرك.
وهذه الأعمال والأقوال الصالحة التي أساسها التوحيد هي سبب للنصر والتمكين في الأرض.
فإلى الذين يريدون دولة الإسلام وإلى الذين يريدون العزة والسيادة، نقول: إن الدولة المسلمة لن تقوم إلا بالعمل الصالح الذي تأسس على العقيدة الصحيحة، أما قيام دولة مسلمة صادقة على منهج النبوة على أكل الربا ،و نساء متبرجات، وعلى قوم لا يؤدون الصلاة؛ فهذا من المحال! قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور:55].
التوحيد أولاً لأنها تمنع العبد من فعل المعاصي! لأن هناك علاقة بين المعاصي والذنوب وبين ضعف العقيدة، فالمجتمع الذي ضعف فيه العقيدة نراه قد ملء بالمعاصي والذنوب والشرك، أما المجتمع الذي قوي فيه العقيدة الصحيحة – عقيدة التوحيد – نراه ملء بالطاعات والأعمال الصالحة.
فعقيدة التوحيد إذا تمكنت ورسخت في القلوب حالت بين العبد وبين اقتراف المعاصي، ولذلك ربط النبي ﷺ بين ضعف العقيدة والمعاصي بقوله ﷺ: «لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن».
ومعنى الحديث: أن المؤمن قد يقترف الكبائر؛ لأن العقيدة ضعفت عنده؛ فغاب عنه نور الإيمان. ولكن اقتراف هذه الكبائر لا تكفره: فنحن أهل السنة والجماعة لا نكفر المسلم بارتكاب المعاصي ما لم يستحلها؛ فإذا استحل الربا والزنا وشرب الخمر وما شابه كفر وخرج عن الإسلام.
وللأسف المعاصي كثرت بين المسلمين بسبب ضعف العقيدة، لأن العقيدة الصحيحة وقاية لصاحبها من اقتراف الذنوب، فإذا تمكنت من القلب منعت صاحبها من اقتراف المعصية، قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف:201].
ماذا تذكروا؟ تذكروا الموت، تذكروا القبر، تذكروا يوم الحساب، تذكروا الوقوف بين يدي الله تعالى، فرجعوا عن المعصية.
التوحيد أولًا لأنها تربي الرجال وتثبتهم عند الصدمات! الرجال الذين تربوا على العقيدة الصحيحة – عقيدة التوحيد – هم الذين يثبتون عند الفتن والابتلاءات، ولذلك ربى رسولنا ﷺ أصحابه الكرام – على العقيدة الصحيحة؛ لأن العقيدة تثبت الإنسان عند الابتلاء فينتصر على الأعداء.
ماذا قال رسول الله ﷺ لخباب رضي الله عنه وأصحابه لما اشتكوا له من شدة عذاب قريش لهم وسألوه النصر والعز والـمنعة؟ أخبرهم ﷺ أن المؤمنين فيمن كان قبلهم في الأمم السابقة يعذبون أيضًا، وكان من طرق تعذيبهم أن يشق رأسهم نصفين بالمنشار ويمشط لحمه بأمشاط الحديد، ثم قال لهم ﷺ: «وما يصده ذلك عن دينه، ولكنكم تستعجلون»، أي: ولكنكم تستعجلون نصر الله تعالى الـمحقق لا محال.
الجبال تتزحزح وعقيدة التوحيد في قلب المؤمن ثابتة لا تتزحزح.
ولكنكم يا شباب الإسلام تستعجلون! كفانا عاطفة! كفانا تهوراً! لستم أكرم من خباب على رسول الله ﷺ؛ فلم يقل لهم: سأصنع لكم حزباً، أو: سأصنع لكم تنظيما، وسأنتقم من الكفار الذين يعذبونك! لا والله، رباهم على العقيدة وبين له أن النصر من عند الله تعالى لـمن كان عنده العقيدة الصحيحة، وثبت عليها عند الابتلاء.
ولكن تستعجلون! فبالاستعجال أكلت الثمار وهي غير ناضجة، وبالاستعجال تحمس الشباب بالعاطفة دون قيد من الكتاب والسنة، وبالاستعجال امتلأت السجون بأصحاب الرايات والشعارات.
ولكن بالعقيدة الصحيحة يثبت الرجل عند الصدمات.
وختامًا نقول: إن طريق النصر والتمكين لابد فيه من وحدة الصف الإسلامي، ووحدة الصف ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح، والإسلام لا يصح إلا بالعقيدة الصحيحة – عقيدة التوحيد – التي مصدرها القرآن الكريم والسنة الصحيحة بفهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
فلا نصر قبل تصحيح العقيدة… ولا نصر قبل وحدة الصف على التوحيد… ولا نصر قبل أن يكون الجهاد كله خالصًا لله تعالى… ولا نصر قبل التخلي عن الرايات القومية والشعارات الحزبية… فلا تستعجلون بالشعارات الحزبية والعواطف الحماسية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.