زوال إسرائيل… سنن ربانية أم انتفاضة مهدوية؟
الشيخ محمد البخاري المراكشي
منذ أن أعلن الاحتلال اليهودي قيام كيانه على أرض فلسطين المباركة عام 1948، والأمة تتساءل: متى تزول إسرائيل؟ وكيف؟ وهل يكون ذلك بانتفاضة شعبية؟ أم عبر سنن ربانية؟ أم ننتظر خروج المهدي وعيسى عليهما السلام؟ سؤال تتنازعه العاطفة، وتوجهه العقيدة، وتتشكل حوله التصورات والمناهج. وبين المبشرين بزوال وشيك، والمتراجعين أمام غطرسة المحتل، يقف هذا البحث ليبين الحقيقة الراسخة: أن زوال إسرائيل سنة ربانية ماضية، لا تتوقف على انتظار شخصية مخلصة، بل تبنى على عمل واقعي يسير في خط النبوة ويستنطق بشائرها.
أولًا: زوال إسرائيل في ضوء السنن الربانية:
إن من أعظم ما يميز السنن الإلهية أنها ثابتة جارية لا تحابي أحدًا، كما قال تعالى: ﴿فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾ [فاطر: 43].
ومن هذه السنن: سنة التدافع، وسنة النصر بعد البلاء، وسنة زوال الباطل واندحاره إذا قوم بالحق.
وقد أخبر الله تعالى أن الباطل زائل حتمًا، ولو بعد حين: ﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾ [الأنبياء: 18].
فالكيان اليهودي الذي قام على الظلم، والغصب، والتقتيل، لا يمكن أن يستمر في ميزان الله العادل، وإن طال زمنه في ميزان الناس. وواقع الأمة يظهر إرهاصات الزوال، من خلال صحوة الامة، وتمسكها بالحق، وتصاعد منطق الرفض العالمي.
ثانيًا: هل ننتظر المهدي وعيسى عليهما السلام؟
ينبغي هنا توضيح اللبس الذي شاع بين كثير من الناس، وهو الاعتقاد بأن زوال إسرائيل لا يكون إلا في زمن المهدي وعيسى، وأنه لا جدوى من العمل الآن حتى يظهر المخلص المنتظر!
وهذا الفهم ليس فقط خاطئًا، بل خطير، لأنه يؤدي إلى تعطيل الجهاد والعمل والنفير، وتثبيط الأمة.
الأحاديث الصحيحة بينت أن الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال كلها تكون في زمن المهدي وعيسى، لكن أحاديث الجهاد في بيت المقدس والشام جاءت مطلقة، ومنها:
قال ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة».
فالأحاديث لا تربط نصر فلسطين بشخص المهدي، بل بوجود الطائفة المنصورة التي تقاتل بعقيدة الحق. وما نراه اليوم من صمود في الداخل الفلسطيني، وبروز بوادر جيل التحرير، ليس إلا من بشائر تلك الطائفة المباركة.
ثالثًا: زوال إسرائيل بين السنن والانتفاضات:
إن الاعداد للجهاد ليست نقيضًا للسنن، بل جزء من تحققها، إذ إن السنن لا تتحقق إلا بالفعل البشري والرباط والصبر.
فإذا قام ذلك على قاعدة التوحيد، والربانية، والجهاد في سبيل الله، فإنها تفعل السنن وتعجل بالنصر.
رابعًا: مؤشرات واقعية على زوال الكيان:
زوال إسرائيل لم يعد مجرد نبوءة، بل أصبح احتمالًا استراتيجيًا يعترف به خبراء الغرب والكيان نفسه. ومن ذلك:
تآكل الردع الصهيوني أمام ثبات الشعب المسلم في فلسطين.
تصاعد الكراهية العالمية للسياسات الصهيونية.
انقسام الداخل الصهيوني وارتفاع نسب الهجرة العكسية.
فشل مشروع التطبيع في حماية الكيان اللقيط.
بروز جيل التحرير المؤمن، المدرك، المرابط.
كل ذلك يشير إلى مرحلة الانحدار الأخيرة للكيان، وليس كما يصوره الإعلام بأنه قوة لا تقهر.
الخاتمة: بشرى التحرير بين السنن والعمل:
إن زوال إسرائيل وعد لا يرد، ولكن لا يهدى على طبق من ذهب. بل هو مرتبط بقيام الأمة بواجبها الرباني، والتزام السنن الشرعية في الإعداد والتربية والجهاد.
لا ننتظر المهدي ولا نؤجل التحرير، بل نغرس الراية اليوم، ونحمل الحق، ونعلم أن الله وعد عباده فقال: ﴿وكان حقًا علينا نصر المؤمنين﴾ [الروم: 47].
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.