بناء الشخصية الفلسطينية في ضوء السيرة النبوية الصحيحة

الأستاذ لطيف أفغاني

في خضم الصراع الطويل الذي تخوضه فلسطين، لا يكون الانتصار بالسلاح وحده، بل بالإنسان الذي يحمل السلاح، وبالشخصية التي تترجم الإيمان إلى عمل، واليقين إلى ثبات.

وحين نبحث عن النموذج الأكمل لبناء الإنسان الصامد المجاهد، لا نجد إلا السيرة النبوية الصحيحة، التي قدمت للعالم أعظم مدرسة في صناعة الرجال وبناء الأمم.

أولًا: الأساس العقدي… الإيمان قبل السلاح:

بنى النبي ﷺ جيلًا مؤمنًا قبل أن يبني دولة. بدأ من غرس التوحيد في القلوب، وتحرير العقول من عبودية الأصنام، وإزالة الخوف من غير الله.

فالفلسطيني الذي يريد التحرير، لا بد أن يتحرر أولًا من الخضوع لغير الله، وأن يؤمن بأن النصر وعد رباني لا يتحقق إلا لمن صدق مع الله.

قال تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾، فالنصر ثمرة للإيمان، لا مجرد نتيجة للقتال.

 ثانيًا: الجانب الأخلاقي والروحي:

السيرة النبوية علمتنا أن الثبات على المبدأ أعظم من النصر العابر، وأن الخلق جزء من الجهاد.

كان النبي ﷺ في أحلك الظروف صبورًا، عفوًا، رحيمًا حتى مع أعدائه.

وهكذا ينبغي أن تبنى الشخصية الفلسطينية:

– رحيمة بالمؤمنين، قوية على العدو.

– توازن بين الصبر والحزم، بين الرحمة والعزة.

– لا تغدر ولا تظلم، لأن التحرير لا يكون بالظلم بل بالحق.

ثالثًا: الوعي الواقعي والتخطيط الاستراتيجي:

في السيرة، نرى نبيا لا يتحرك بالعاطفة، بل بالبصيرة. فالهجرة، وبدر، والحديبية، وفتح مكة، كلها نماذج للتخطيط الواقعي والقيادة الواعية.

وهكذا يجب أن يتعلم الجيل الفلسطيني من نبيه ﷺ:

– أن المقاومة تحتاج عقلًا ناضجًا قبل البندقية.

– وأن إدارة الصراع لا تقل أهمية عن خوضه.

– وأن العجلة والتهور ليستا من الإيمان، بل من الجهل بالسنن الربانية.

رابعًا: التربية على الصبر والعزيمة:

قال تعالى في وصف المؤمنين الأوائل: ﴿وكم من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله﴾.

تلك التربية التي صنعت جيل بدر وأحد، قادرة أن تصنع جيل غزة والقدس، إن أحسنا الربط بين السيرة والواقع.

فالشخصية الفلسطينية التي تربى على الصبر والثقة بوعد الله، لا تنكسر أمام حصار، ولا تضعف أمام احتلال.

خامسًا: البعد الإنساني والرسالي:

السيرة النبوية لا تربي على العصبية ولا على الكراهية العمياء، بل على الرسالة العالمية: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

إن القضية الفلسطينية ليست صراعًا على أرض فقط، بل دعوة لإحياء الأمة كلها.

فالشخصية الفلسطينية الربانية، حين تتخلق بروح النبي ﷺ، تصبح سفيرًا للحق، وصوتًا للعدل، ونموذجًا للأمة في الصبر والكرامة.

إن بناء الشخصية الفلسطينية في ضوء السيرة النبوية، ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية.

فمن أراد تحرير الأرض، فليبدأ بتحرير القلب؛ ومن أراد نصر الأمة، فليتعلم من نبيها ﷺ كيف تبنى الأمم على الإيمان والعلم والخلق والبصيرة.

فكما صنع محمد ﷺ جيل الفتح الأول، فإن العودة إلى سيرته تصنع جيل الفتح الأخير.

موضوعات ذات صلة