المستقبل الفلسطيني بين ثوابت الأمة ومتغيرات السياسة – رؤية تتجاوز اللحظة وتستحضر التاريخ والنبوة
الأستاذ جلال أبو كشك
حين يطرح سؤال «ما مستقبل القضية الفلسطينية؟»، تتباين الإجابات بتباين المرجعيات: البعض يقرأها من زاوية السياسة الدولية، وآخرون بمنظار الانقسام الفلسطيني، وثالث من خلال معادلات القوة الميدانية.
لكن السؤال الأعمق الذي يجب أن يطرح هو: هل نقرأ فلسطين كملف سياسي أم كقضية أمة؟ هل نسقط الثوابت لصالح الواقع أم نعيد تشكيل الواقع على ضوء الثوابت؟
هذا المقال يحاول استشراف مستقبل فلسطين في ظل ثوابت الأمة الإسلامية ومتغيرات الساحة السياسية العالمية، بين سنن التاريخ ووعود الوحي، وبين التحديات الراهنة والفرص الكامنة.
أولًا: ثوابت الأمة… نبراس المستقبل:
ثوابت الأمة الإسلامية في نظرتها إلى فلسطين ليست موضع مساومة، ولا تتغير بتغير الزعامات أو الاتفاقيات. على رأس هذه الثوابت:
– فلسطين أرض إسلامية مباركة، لا يجوز التنازل عنها.
– المسجد الأقصى وقف إسلامي لا يباع ولا يقسم.
– الاحتلال الصهيوني باطل، لا يشرعه اعتراف، ولا يبيحه سلام زائف.
– مقاومة المحتل– بكل أشكالها المشروعة – حق ثابت، لا يسقط بالتقادم.
– الأمة مسؤولة عن فلسطين، لا الفلسطينيون وحدهم.
هذه الثوابت تشكل خريطة طريق للمستقبل، تمنع الذوبان في تسويات باطلة، وتؤسس لخطاب استراتيجي يستند إلى الحق والعدل، لا إلى موازين القوى الظالمة.
ثانيًا: السياسة تتقلب… ولكن لا تغير المسار؟
السياسة بطبيعتها متغيرة. رأينا دولًا طبعت، وقوى تراجعت، وانقسامات أضعفت الصف الفلسطيني. ورأينا في المقابل محاور مقاومة تتشكل، وتحولات شعبية عالمية تتعاظم، وجيلًا شابًا يعيد صياغة الخطاب.
لكن الخطر الأكبر يكمن في أن يتحول المتغير السياسي إلى بديل عن الثابت العقدي. أن تختزل فلسطين في «دولة على حدود 67» أو أن تقبل «الاتفاقات الإبراهيمية» بذريعة الواقع المرير.
إن الرهان على المتغيرات دون الثوابت يفتح الباب للضياع السياسي والانسلاخ العقدي. والمطلوب هو موازنة حكيمة: نحسن قراءة الواقع، لكن نصر على صناعة المستقبل من منطلق الثوابت.
ثالثًا: ما العمل نحو استعادة زمام المبادرة؟
بين من يراهن على التسويات، ومن يرفع راية «التحرير الكامل أو لا شيء»، تقف الأمة أمام مفترق طرق:
– هل تستسلم للانقسامات والتطبيع؟
– وهل تعيد بناء مشروعها على أسس العقيدة والرباط؟
– هل تترك شبابها تائهًا بين الشعارات أم تربيه على فهم عميق للثوابت وسنن النصر؟
إن استشراف المستقبل الفلسطيني يبدأ من هنا: بناء وعي جمعي، وإعداد جيل رباني، وتوحيد الجهود، واستثمار المتغيرات دون التفريط بالثوابت.
فالمستقبل ليس وعدًا سياسيًا يمنح، بل حق ينتزع، ووعي يبنى، وإيمان يترجم إلى عمل.
وبين ثوابت الأمة ومتغيرات السياسة، ينهض مشروع التحرير… لا كحلم عاطفي، بل كمسار تاريخي مرسوم بوحي النبوة، وقوانين النصر الربانية، وإرادة الشعوب الحرة.
فلسطين لا تنتظر من يراقب المشهد، بل من يصنعه.
والمستقبل… لمن أدرك الثوابت، وأجاد التعامل مع المتغيرات.
الله الموعد.
