العلامة مقبل الوادعي وفلسطين: بين وضوح العقيدة وثبات المبدأ
الأستاذ محمد النهدي الذماري
يعد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من أبرز أعلام المنهج السلفي في العقود المتأخرة، وقد تميز بعلمه الراسخ، وزهده، ووضوحه في الحق، وصراحته في بيان الموقف الشرعي من قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين. فبينما اضطربت الموازين، وتفرقت المواقف بين المزايدة العاطفية والتساهل السياسي، ظل الشيخ الوادعي مثالًا للثبات على المبدأ، متمسكًا بالمنهج الشرعي في فهم النصوص وتعامل الأمة مع محنها.
أولًا: فلسطين قضية عقدية لا حزبية:
كان الشيخ مقبل يرى أن قضية فلسطين ليست مجرد نزاع سياسي أو قومي، بل هي قضية عقدية تتعلق بالولاء والبراء، وبعقيدة الأمة في أرض الإسراء والمعراج. قال رحمه الله في كتاب غارة الأشرطة: «فلسطين أرض إسلامية، لا يملكها إلا المسلمون، واليهود مغتصبون معتدون، ولا يجوز التنازل لهم عن شبر منها، ومن فعل ذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين».
وقد كان يحذر من الذين يتخذون القضية الفلسطينية مطية لترويج الدعوات الحزبية أو الثورية، معتبرًا أن كثيرًا من تلك الحركات تستغل مشاعر المسلمين لتكريس منهجها المنحرف، دون رجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: وضوحه في بيان أسباب الهزيمة وسبيل النصر:
لم ينجرف الشيخ وراء الخطابات الحماسية، بل أرجع تأخر النصر إلى ضعف التوحيد وفساد المنهج، فقال في إحدى محاضراته: «الواجب على المسلمين أن يصلحوا ما بينهم وبين الله، فإن ذنوبهم هي التي سلطت عليهم عدوهم، وإذا رجعوا إلى ربهم صادقين، نصرهم كما نصر أسلافهم».
وكان يرى أن الجهاد الشرعي لا يقوم إلا على أساس من العقيدة الصحيحة والإمام الشرعي والراية الواضحة، محذرًا من الفوضى التي تراق فيها الدماء باسم «الجهاد»، بينما تدار بغير علم ولا بصيرة.
ثالثًا: موقفه من الحركات والفصائل الفلسطينية:
تميز الشيخ مقبل بالجرأة في نقد الانحراف العقدي للحركات الفلسطينية ذات التوجهات الإخوانية أو الثورية، فقال: «منهج حماس وغيرهم من الحركات الحزبية ليس على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم يدعون إلى الحزبية لا إلى التوحيد، ولو دعوا الناس إلى التوحيد لكان جهادهم مباركًا».
ولم يكن ذلك تقليلًا من شأن مقاومة المحتل، بل دعوة لتصحيح المسار؛ إذ كان يرى أن الجهاد بلا توحيد كالبناء على غير أساس.
رابعًا: ثباته رغم حملات التشويه:
تعرض الشيخ مقبل -كما غيره من علماء المنهج السلفي- لحملات من الاتهام بأنه لا يهتم بالقضايا العامة أو يتقاعس عن نصرة فلسطين، وقد رد على ذلك بقوله: «نحن لا نخذل إخواننا، ولكن نأمرهم أن ينصروا أنفسهم بطاعة الله أولًا، وأن يجاهدوا وفق الكتاب والسنة، لا وفق الأحزاب».
وكان يؤكد أن نصرة فلسطين واجبة، لكن على نهج النبوة لا على طريق الفتن والانقلابات.
لقد بقي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وفيا لمنهجه السلفي، صادقًا في نصحه للأمة، صريحًا في الدفاع عن حق المسلمين في فلسطين، ومتمسكًا بقاعدة «لا نصر إلا بتوحيد الله واتباع رسوله». لقد رفض أن يستدرج إلى صخب الشعارات، فحفظ الله له مكانته بين العلماء الذين قالوا كلمة الحق في زمن غلبت فيه الدعاوى. وهكذا كان -رحمه الله- علمًا على وضوح العقيدة وثبات المبدأ، في قضية ما تزال تمتحن صدق الأمة إلى يومنا هذا.
