العدو في ثوب الصديق… كيف يستخدم العدو شعارات السلام لخداع الأمة؟
بقلم أبو حنان الصرفندي
في زمن تكاثرت فيه الفتن، وتشابكت خيوط المؤامرات، لم يعد العدو يقف على الثغور شاهرًا سيفه، بل لبس أثواب الصداقة وتزيا بزي السلام، رافعًا شعارات زائفة، ومرسلًا ابتسامات كاذبة، وخطابات عسلية تخفي وراءها سما زعافًا. وتعد القضية الفلسطينية النموذج الأبرز لهذا الخداع الممنهج، حيث أحكم العدو الصهيوني قبضته على الأرض والمقدسات، بينما كان يلوح بغصن الزيتون في المحافل الدولية.
لقد استثمرت الصهيونية العالمية مفاهيم السلام، والإنسانية، والتسامح الديني، والحقوق، لتكون غطاء لأبشع مشروع استعماري إحلالي في العصر الحديث. فأصبحت «مبادرات السلام» مصائد سياسية، واتفاقيات التطبيع بوابات للاختراق، والمنظمات الدولية أدوات لحماية المحتل وإدانة المقاوم. بل أضحى الحديث عن «السلام» وسيلة لإخماد الوعي، وتجريم الجهاد، وتحويل المحتل إلى ضحية، والمظلوم إلى إرهابي.
ومنذ اتفاقيات التطبيع تكشف هذا المخطط بوضوح: انسحبت إسرائيل شكليًا من بعض المناطق، ثم عادت إليها بأقوى من ذي قبل، مستثمرة الوقت في بناء المستوطنات، وتفكيك البنية العقائدية والثقافية للمجتمع الفلسطيني، وصناعة نخب مفرطة باسم الواقعية السياسية. وخلف الكواليس، جرى إخماد روح المقاومة، وتجفيف منابع التربية الإسلامية الأصيلة، تحت شعارات «بناء الدولة» و«محاربة الإرهاب».
ليس أخطر من عدو يظهر العداوة، إلا عدو يتخفى خلف قناع الصداقة. وهذا ما أدركه القرآن الكريم حين حذرنا من المنافقين واليهود على حد سواء، فقال: ﴿وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ﴾ [آل عمران: 119].
وقال سبحانه: ﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة﴾ [التوبة: 8].
إن ما يسمى بـ«السلام» في القاموس الصهيوني ليس إلا استسلامًا مشروطًا، وتفريغًا للقضية من أبعادها العقدية، وتحويل القدس من قضية إسلامية إلى نزاع عقاري، وتقزيم الأمة من أمة رسالة إلى شعوب منهزمة تساوم على فتات.
إن الواجب على الأمة – حكامًا وعلماءً ودعاة ومثقفين وشبابًا – أن يفضحوا هذا المخطط، وأن يعيدوا تعريف العدو، ويحصنوا الوعي من شعارات «السلام» الخادعة، ويحيوا فقه الولاء والبراء، ويغرسوا في الأمة أن لا سلام مع محتل، ولا صداقة مع من دنس الأقصى، ولا تحالف مع من قتل الأطفال، مهما تلون وخادع.
فالعدو قد يخلع بزته العسكرية، لكن أنيابه لا تسقط، وقلبه لا يلين، ومشروعه لا يتوقف… وإنما فقط يغير استراتيجيته، ليجهز على ما تبقى من مقاومة العقيدة، وكرامة الشعوب.