التفرقة بين اليهود والصهيونية… مكر خطير بالقضية الفلسطينية

بقلم الأستاذ مجيد أفغاني

في ساحة الصراع الفكري والإعلامي حول القضية الفلسطينية، تبرز محاولات خبيثة لتفكيك المفاهيم، وتشويه الحقائق، ومن أبرز تلك المحاولات: الدعوة إلى التفريق بين «اليهود» و«الصهيـونية»، بدعوى أن العداء يجب أن يوجه إلى المشروع السياسي فقط لا إلى الدين وأهله، وكأن الصهيونية ولدت في فراغ، أو أن جذورها لم تتغذ من نصوص التوراة المحرفة، ولم تنبثق من رحم الفكرة اليهودية القديمة في احتكار «أرض الميعاد» و«شعب الله المختار».

إن هذه التفرقة ليست بريئة، بل هي مكر سياسي وفكري يسعى لترويض العقل المسلم، وتفكيك وعيه التاريخي والعقدي بالقضية، وتحويلها من قضية إيمانية كبرى إلى صراع حدودي عابر، يمكن حله بالمعاهدات أو التعايش. فكيف نفهم هذه الدعوى؟ وما حقيقتها؟ وما خطرها على الأمة وقضيتها المركزية؟

أولًا: الصهيونية ليست غريبة عن اليهودية:

الصهيونية لم تكن طارئة على الفكر اليهودي، بل هي امتداد طبيعي لعقيدة توراتية محرفة، تعتقد أن الله وعد بني إسرائيل بأرض كنعان، وأن طرد الشعوب منها واجب ديني. وقد تجلى هذا في نصوص التوراة مثل قولهم: «ادخلوا الأرض وأبيدوا كل حي فيها، لا تبقوا نسمة» (سفر التثنية). فهل بعد هذا يقال إن الصهيونية كيان منفصل عن اليهودية؟!

وحتى كبار مفكري اليهود الذين لم يكونوا صهاينة –كأتباع الحاخام «نحمان» أو «الحريديم»– لم يعارضوا المشروع الصهيوني لأنه مخالف لليهودية من حيث المبدأ، بل لأنهم كانوا يرون أن تأسيس دولة إسرائيل يجب أن يكون بيد «المسيح المنتظر» لا بالحركة السياسية! فهم إذن يختلفون في الوسيلة لا في الهدف.

ثانيًا: التفريق مكر استخباراتي ومصلحة غربية:

برزت دعوى الفصل بين اليهود والصهيونية في أدبيات الاستشراق والمخابرات الغربية، ثم تبنتها جهات «إسلامية» ذات مشاريع تطبيعية، بهدف التسلل إلى قلب الأمة من باب «الإنسانية»، وفتح الطريق للتعايش مع اليهود على اعتبار أنهم ليسوا جميعًا «صهاينة»، وبذلك ينفصل العداء العقدي عن الموقف السياسي، وتفرغ القضية من بعدها الديني.

وهنا مكمن الخطورة: إذ تنزع الصفة الدينية عن الصراع، ويمنح اليهود –ككل– براءة ضمنية، ويعاد تأهيلهم في العقل المسلم كضحايا لا كمحتلين. والنتيجة؟ سقوط جدار الرفض الشعبي، وقبول متدرج بالمغتصب.

ثالثًا: القرآن لا يفرق بل يفضح:

إن الله عز وجل حين وصف بني إسرائيل في كتابه، لم يفرق بين يهود «دينيين» وصهاينة «سياسيين”، بل وصمهم بالصفات التي اتسم بها تاريخهم: {وقتلهم الأنبياء بغير حق}، {يفسدون في الأرض}، {لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرًى محصنة}. هذه الصفات ليست وصفًا لحركة سياسية ظهرت في القرن التاسع عشر، بل لأمة انحرفت عن الدين، واستباحت الأرض والدم والعهد.

فالعداء القرآني ليس لليهود كأفراد، وإنما لكيانهم المنحرف، ومشروعهم العدواني الممتد، وهو ما تمثل اليوم في دولة الكيان التي توحد بين الدين والسياسة والاحتلال، وترفع «نجمة داوود» على الدبابات، وتقنن عنصريتها باسم التوراة!

رابعًا: آثار هذه التفرقة على القضية الفلسطينية:

إن قبول هذه التفرقة يعني:

تبييض وجه الاحتلال عبر تصوير بعض اليهود كـ«مسالمين» لا علاقة لهم بما يجري.

ضرب الحاضنة الإيمانية للجهاد والمجاهدين التي تستمد عداوتها من العقيدة لا من قرار أممي.

فتح الباب للتطبيع الثقافي والديني من خلال مؤتمرات التعايش والموائد المشتركة.

تشتيت جبهة الرفض العربي والإسلامي بإشغالها بتصنيفات وهمية بين «يهودي جيد» و«صهيوني شرير».

خاتمة: الموقف العقدي لا يتجزأ:

لا يفهم من هذا أن الإسلام يدعو لظلم كل يهودي أو معاداته بلا سبب، بل الإسلام يفرق بين من سلم وكف، وبين من اعتدى واحتل، لكن حين يكون «اليهودي» جزءًا من كيان احتلال، أو مشروع صهيوني، أو داعمًا له صراحة أو ضمنًا، فإن عداءه واجب شرعًا. وإن الفصل بين الصهيونية واليهودية هو محاولة خبيثة لخلخلة الصف الإسلامي، وترويض الأمة لقبول الكيان.

وعليه، فإن اليهودية المحرفة هي الجذر، والصهيونية فرعها الخبيث، ولا يمكن للأمة أن تحرر أرضها وهي تتبنى مفاهيم خصومها، ولا أن تنتصر على عدو لا تسميه باسمه. فالتحرير يبدأ من وضوح البوصلة، وإعادة تعريف العدو… بلا رتوش.

موضوعات ذات صلة