أنا لست فلسطينيا… فلماذا أهتم؟
الأستاذ مبارك الرشيد
سؤال يكشف أزمة وعي قبل أن يكون اختلاف رأي:
تتردد في أوساط بعض الشباب عبارات من قبيل: «أنا لست فلسطينيا، فلماذا أهتم بالقضية؟»، أو «ما شأني بما يحدث هناك؟»… وهي أسئلة تبدو ـ للوهلة الأولى ـ بريئة أو محايدة، لكنها في حقيقتها تكشف عن تراجع خطير في الإدراك الجمعي، وانسلاخ مؤسف عن روح الأمة، وخلط بين حدود الجغرافيا وأواصر العقيدة.
في هذا المقال نحاول تفكيك هذا التساؤل، والرد عليه بمنطق العقل، وتحليل الواقع، ومراعاة الثوابت الشرعية والإنسانية.
أولًا: فلسطين ليست قضية قومية… بل عقدية:
البداية لا بد أن تكون من المفهوم الأكبر: فلسطين ليست مجرد قطعة أرض تتنازعها أطراف سياسية أو قوميات متجاورة، بل هي أرض مباركة في نص القرآن، قال تعالى: ﴿الذي باركنا حوله﴾ [الإسراء: 1].
وفيها المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث المسجدين، ومسرى رسول الله ﷺ، ومعراجه إلى السماوات.
فهل يعقل أن يكون المسلم غريبًا عن أرض الإسراء؟!
من هنا فإن الاهتمام بفلسطين واجب ديني، لا خيارًا سياسيًا، يرتبط بالإيمان والانتماء للأمة لا بالهوية القطرية.
ثانيًا: الصمت على الظلم… مشاركة فيه:
الاحتلال الصهيوني اليهودي يمارس أمام أعين العالم أبشع صور العدوان والتطهير العرقي والحصار والتجويع والاعتقال والقتل والتهويد.
فهل يليق بالمسلم أو الإنسان الحر أن يقف متفرجًا، ويقول: «لست معنيًا»؟!
بل إن الشرائع السماوية والقوانين الدولية والضمائر الحية تدين الصمت على الجريمة، وتعتبره تواطؤًا.
وقد قال النبي ﷺ: «من رأى منكم منكرًا فليغيره…» رواه مسلم.
فكيف بمن يرى شعبًا يباد ويصمت لأن الجغرافيا لا تربطه به؟!
ثالثًا: فلسطين مرآة الانتماء:
القضية الفلسطينية لم تكن يومًا شأناً محليًا. بل كانت ـ وما زالت ـ رمزًا جامعًا للأمة الإسلامية، ومعيارًا لصحة الوعي السياسي والديني.
والقرآن الكريم علمنا أن «المؤمنين إخوة»، وأن المسلم جزء من جسد هذه الأمة، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
من لا يشعر بجراح فلسطين، فهو في غربة عن أمته، وفي عجز عن إدراك مسؤولياته الأخلاقية.
رابعًا: مقاومة الاحتلال واجب مشترك:
قد لا يستطيع كل مسلم حمل السلاح، لكن يستطيع أن يقاوم بالكلمة، والدعاء، والتبرع، والتثقيف، ونشر الوعي، والضغط السياسي والإعلامي.
إنها مقاومة شاملة تبدأ من ضمير الفرد وتنتهي بقرارات الشعوب، وسياسات الدول.
النصرة لا تشترط أن تكون فلسطينيًا، بل أن تكون مسلمًا، صاحب ضمير، رافضًا للظلم.
خامسًا: القدس قضية الأمة لا شعبها فقط:
من يظن أن «القدس شأن فلسطيني»، فهو يسلم باحتكار المحتل للحق، ويسقط واجب الأمة في الدفاع عن مقدساتها.
فلسطين ضيعت يوم ظن محامو القضية أنها تخص قومًا دون آخرين، وستحرر يوم ندرك أنها قضية كل مسلم على وجه الأرض.
إن السؤال: «أنا لست فلسطينيا، فلماذا أهتم؟».
هو سؤال يجب أن يقابل بسؤال أعمق: «هل ما زلت مسلمًا تحمل في قلبك هم الأمة؟!».
ففلسطين ليست اختبار جغرافيا، بل اختبار إيمان وشرف وكرامة وانتماء.
وإن لم تكن فلسطينيا بالجنسية، فكن فلسطينيًا بالموقف، بالكلمة، بالضمير.
ففلسطين قضيتك… وإن جهل ذلك أهل الأرض.
